مطار الناصرية وتهديد السلم العالمي

يبدو ان مطار الناصرية بشكل أو بأخر يهدد السلم العالمي، ويساهم في زيادة الكوارث حول العالم، ويمثل رمزا لمشاريع الفساد، التي صرفت عليه المليارات، وهو لا يستحق ذلك، فأبناء الناصرية يستحقون مطارا مشابها ومماثلا لمطار “هيثرو” في بريطانيا او مطار “طوكيو”، أو مطارات أوربا ويرغبون بأن تكون بناه التحتية هي الأفضل في العالم.
وليس ذلك فقط، بل ان جدواه الاقتصادية غير مناسبة، وان إنشاء المطار قد خلق نزعة تطرفية ونسق مضمر لدى أبناء الناصرية في ما يخص قضية الهويات الفرعية ونزعة نحو اللامركزية، وهو ما يقد يثير أزمة خانقة بين أبناء البلد الواحد، الذين لا تفرقهم إنشاء المطارات الجانبية، وهو ما قد يدفع عرابي السياسة العالمية امثال “هنري كسينجر” و”فوكوياما” لان يكتبوا نظريات جديدة بشأن العالم وما قد يصاحبه من تغييرات بشأن مطار الناصرية المدني.
وليس هذا فقط، بل ان المطار يكشف لنا حجم الفساد المصاحب له، وحجم الأموال التي يمكن السؤال عنها أين تذهب، وهو قد ظهر في مشهد الافتتاح مخيبا للآمال، وحجم الفوضى المرافقة له، وطريقة التنظيم وسوء ترتيب كل التفاصيل المتعلقة بافتتاح المطار، بل انه يكشف للمثقفين الكبار كم نحن “معدان”.
هذا ما كتبه العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بعد افتتاح مطار الناصرية المدني في الجمعة 10 آذار 2017، وما استطعت ان اقرأه، مع نزعة من الحقد والكراهية وكم هائل من الاستهزاء والشتم، وتقليل من قيمة المدينة ومن يقف خلف تطويرها برغم حجم الفساد فيها، وهو ليس تبريرا لأي مشاركا في الحياة السياسية داخل المدينة.
في لحظة تضليل واحدة قادها مدونون وصحفيون، تحول الجميع الى خبراء في مجال الطيران، وتداول الناس أقسى العبارات الممكنة بحق الناصرية، عبارات لا يمكنها ان تخرج إلا من قلوب مريضة، باستثناء تلك الأصوات العاقلة التي تحدثت بموضوعية.
وازعم اني احد المدافعين عن فكرة وجود مطار مدني في ذي قار، ليس من منطلق كوني خبير في مجال المطارات او الملاحة الجوية، او دفاعا عن الحكومة المحلية، بل من المنطلق الأكثر وجعا في تاريخ مدينتنا المنكوبة، دافعت عن الفكرة مع أصدقاء وزملاء كثر، انطلاقا من كون هذا المطار سيوفر فرص عمل تسمح لـ300 ألف خريج وعاطل عن العمل في ذي قار، ان يقدموا عليه وهو ما لم يتحدث به رهبان النزاهة في العراق وأصحاب المشاريع المدنية، وهو ما لم تحققه وزارة النقل لنا أو يحققه مجلس الوزراء، بعد ان اشترط عدم المطالبة بتخصيص مالي او درجات وظيفية للمطار بالوقت الحاضر، رغم اعلان الحكومة اكثر من مرة بأنه سيوفر 3000 الاف درجة وظيفية.
نحن نتفق تماما مع الذين انتقدوا بموضوعية، ونتفق تماما بأن المطار ليس فيه أي لمسة فنية بارزة أو معمارية واضحة، لكنه قد تم افتتاحه بلا ثمن وليس فيه أي أموال، لكن حجم الهجمة الكبيرة التي تعرض لها، لا تستحق ذلك، بل ادخلنا في مأزق اخلاقي مع مواقف الكثيرين ممن يعتبروا اصوات معتدلة، اتضح انهم يبحثون عن الشهرة في اي مكان.
ورغم أن لدينا مواقف سابقة من مشاريع تلكأت منذ زمن الموازنات الانفجارية في عهد مختار العصر، وتبخرت أموالها بجيوب الفاسدين من أصحاب الشركات والمسؤولين الذين تكرشوا كثيرا بفعل تلك المشاريع والتي لم يحاسبهم احد رغم أصواتنا التي لم تهدأ يوما عن المطالبة بمحاسبة المقصرين.
ذلك لم يشفع لنا، كوننا نطالب بشكل مستمر بحقوقنا التائهة مثل أحلامنا وطموحاتنا، بعد ان وجدنا في مشروع المطار أملا في ان يكون نافذة لمدينة خربة، نخرها الفساد واللصوص من كل حدب وصوب، كل ذلك لم يقف حائلا أمام المد الذي واجهناها والتهم الكبيرة التي ألصقت بنا وربما عمالتنا مع الماسونية والصهيونية وخيانة بلادنا كانت ابسط التهم التي واجهنها، غير تلك التي تقول بأننا جيوش الكترونية لأحد الفاسدين.
لا ادري كيف يفكر هولاء الناس وكيف يمكنهم الحديث عن أشياء ليس لديهم اطلاع كافي عليها، وليس لديهم أدنى فكرة كيف تسير الحياة هنا، وأنا اقرأ النظريات والمقالات الكثيرة التي طعنت بالمطار وبالناصرية، وتحدثت عن بروز هويات فرعية ومحافظاتية وإحالتنا إلى دراسات نقدية وثقافية، كتب من خلالها صحفيون لم يستطيعوا ان يستقصوا الحقيقية بأبسط الوسائل.
كان الحديث مؤلم وموجع من قبل البعض حينما تحدث عن نظرية المؤامرة وعن النزعة الممكنة التي ستحصل بعد افتتاح مطار الناصرية، وكأن ثمة عقاب ينتظرنا لاننا أقدمنا على خطوة لم نطلب من خلالها شيئا من الأموال والتخصيصات حد هذه اللحظة.
ولأننا في مدينة المعدان، وتحتل أهمية ثانوية لدى السلطة المركزية، لم يتم تخصيص 500 مليون دولار مثلما تم تخصيصها لمطار كربلاء الدولي، الفرق واضح بحجم الاهتمام الذي نتلقاه على مدار تاريخنا المأساوي، ويكشف للجميع بأن أهميتنا تكمن في الحروب فقط، نمد البلاد بالبشر، من أجل الظفر بشيء اسمه الشهادة، بينما السواد يخيم على النساء هنا، حيث لا طعم ولا رائحة، غير الحزن، من أمي التي فقدت ابي قبل 24 عاما إلى الاقرباء والاصدقاء والجيران، بسبب الحرب على داعش، وليس لنا عزاء في كل الاحتمالات الممكنة في هذا الخراب.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

?>