أكفاننا تخلو من جيوب؟ علي علي

(عش كل يوم في حياتك وكأنه آخر أيامك، فأحد الأيام سيكون كذلك).

في أعلاه مقولة لأحدهم، وقد أراد تذكيرنا ببديهة، غالبا ماتغيب عنا، وسط مغريات الحياة ومشاغلها ومشاكلها، تلك هي بديهة الموت، فكل فرد منا يعلم أنه ميت لا محالة، بصرف النظر عن تعدد أجناسنا وأدياننا ومعتقداتنا، وكل منا على يقين انه يوما ما سيموت إن عاجلا ام آجلا! وقد قيل في الموت وحتميته على كل منا:
الموت ما عف عن عبد ولا ملك
كالنهر يجرف الأقذار والذهبا
والموت ليس نهاية المطاف كما هو معلوم، بل هو بداية الحياة الأبدية الخالدة، تلك الحياة العليا التي كنا قد وضعنا لبناتها الأولى باختيارنا في حياتنا الدنيا، وقد قيل في هذا أيضا:
لا دار للمرء بعد الموت يسـكنها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
فمن بناها بخير طاب مسكنها
ومن بناها بشـر خاب بانيها
لكن، عجبي على من يوكَل اليه أمر قوم، وهو يعلم علم اليقين أنه سيحاسَب ويُسأل عنه يوما أمام خالقه، ولايوليه حسن بدء ودوام فعل ومسك ختام..! والعجب كل العجب، لمن يرفل بالخير والنعيم في ظل منصب قيادي او وظيفة مرموقة اوجاه يُحسد عليه، ولايصونه بما يرضي ضميره على أقل تقدير، بتنفيذ الواجب الوطني والمهني والأخلاقي المنوط به، وتطبيق المستوى المعقول والمقبول كحد أدنى من العدل والإنصاف والحسنى بالرعية، أعني وأشير في عجبي هذا الى ساستنا وأرباب الكتل والأحزاب والوزراء ووكلاءهم، وكل من تبوأ منصبا في الحكومة او في مؤسسات الدولة، ممن له تأثير مباشر او غير مباشر على حياة الفرد العراقي الآنية والمستقبلية. فهل أنساهم المنصب ومغرياته الدنيوية، النهاية الحتمية لوجودهم؟ وهل أحَلَّ لهم كرسي السلطة، ما حرمه الله والمنطق والعرف والأخلاق والإنسانية.
في أيامنا هذه ونحن نستشف بصيص أمل من كوة ضيقة في ما نعيشه من ظلام حالك، على المسؤولين في مراكز القيادة ومناصب صنع القرار التحلي بالتنزه عن صغائر الأمور الدنيوية، تلك التي عهدناها بالعشرات بل المئات في سلوكيات متبوئي المناصب المرموقة في البلد، وما صغائر الأمور التي قصدتها إلا الجانب المادي والمنافع الشخصية التي سعى اليها السابقون، والتي على اللاحقين تجاوزها وأخذ العبرة والعظة من النتائج التي أفضت اليها مع غيرهم. إذ لو استرجعنا ما آلت اليه سياسات خاطئة انتهجها مسؤولون مروا على دست الدولة في مفاصلها كافة، للمسنا أن الضرر الأكبر كان يقع على كاهل المواطن، وهو الخاسر الأول من تهورات ساسته، لاسيما الذي سبق له أن اشار الى أحدهم ببنانه البنفسجي يوما ما.
وفي حقيقة الأمر هناك خاسر ثانٍ في العملية، إلا وهو المسؤول نفسه..! إذ كما يقول مثلنا؛ (مال الماي للماي.. ومال اللبن للبن). ومامن مال مسروق إلا استحال الى جمرة في بطن سارقه، والسارقون قطعا يعلمون “إنما يأكلون في بطونهم نارا”، لكن، ولسوء طالع العراقيين أن تأنيب الضمير، ومحاسبة النفس ليست عاملا فاعلا لدى أغلب ساسة (هذا الوكت)، الأمر الذي سول لهم بإطلاق العنان لنفوسهم في تنفيذ السرقات تلو السرقات، غير آبهين بالنار التي ستستقر في بطونهم، وهم لايرعوون من ردع المجتمع لهم، بل هم يتمادون في غيهم بلا ضمير حسيب، أو عقل رقيب، أو نفس لوامة، واهمين أنفسهم بديمومة نعيمهم المزيف، طامعين لاهثين وراء مآربهم ومصالحهم المادية، وكأنهم خالدون في دنياهم. ولعل بيت الدارمي الآتي يتجسد فيهم وصفا وتشبيها، أو كأنه (مفصل تفصال) على مقاسهم، يقول البيت:
تلهث تلم فلوس ما تگلي شتعيش
الچفن هم بي جيب مثل الدشاديش

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تواصل معنا عبر الفيسبوك

?>