“عش كل يوم في حياتك وكأنه آخر أيامك، فأحد الأيام سيكون كذلك”.
ما تقدم من كلام يحمل بين ثناياه أكثر من معنى، وينطوي فحواه على مواعظ ودروس، وسعيد وذو حظ عظيم من يترجمه الى حقائق تلازم أفعاله وأقواله في حياته. فبصرف النظر عن تعدد أجناسنا وأدياننا ومعتقداتنا، هناك حقيقة مطلقة نؤمن بها جميعنا، تلك الحقيقة هي الموت، فكل فرد منا على يقين انه يموت يوما ما، سواء أعاجلا كان هذا أم آجلا! ونعلم جميعنا أن الموت ليس نهاية المطاف، بل هو بداية حياة عليا، تلك الحياة التي كنا قد وضعنا لبناتها الأولى في حياتنا الدنيا، وكما قيل:
الموت ما عف عن عبد ولا ملك
كالنهر يجرف الأقذار والذهبا
عجبي على من يوكَل اليه أمر قوم، وهو عالم علم اليقين أنه سيحاسَب عليه، ويُسأل عنه يوما أمام خالقه، غير أنه لايوليه حسن بدء ودوام فعل ومسك ختام..! والعجب كل العجب، لمن يرفل بالخير والنعيم في ظل منصب قيادي او وظيفة مرموقة او جاه يُحسد عليه، ولايصونه بما يرضي الأحكام السائدة على أقل تقدير، بتطبيق العدل والإنصاف والحسنى بالرعية، أعني على وجه التحديد كل من تبوأ منصبا في الحكومة او في مؤسسات الدولة، ممن له تأثير مباشر او غير مباشر على حياة الفرد العراقي الآنية والمستقبلية. فهل أنستهم المناصب ومغرياتها الدنيوية، النهاية الحتمية لوجودهم؟ وهل أحَلَّ لهم كرسي السلطة، ما حرمه الله والمنطق والعرف والأخلاق والإنسانية.
في أيامنا هذه ونحن نستشف بصيص أمل من كوة ضيقة، بانفراج أزماتنا وانتقالنا -كما يفترض- من حال الى حال خير منه، على المسؤولين في مراكز القيادة ومواقع صنع القرار، التحلي بالتنزه عن صغائر الأمور، تلك التي عهدناها بالعشرات بل المئات من متبوئي المناصب المرموقة في البلد، وما صغائر الأمور التي قصدتها إلا الجانب المادي والمنافع الشخصية التي سعى اليها السابقون، والتي على اللاحقين تجاوزها وأخذ العبرة والعظة من النتائج التي أفضت اليها مع غيرهم. إذ لو استرجعنا ما آلت اليه سياسات خاطئة انتهجها مسؤولون في الدولة، للمسنا أن الضرر الأكبر كان يقع على كاهل المواطن، وهو الخاسر الأول من تهورات ساسته، لاسيما الذين سبق له أن اشار الى أحدهم ببنانه البنفسجي يوما ما. وفي حقيقة الأمر هناك خاسر ثانٍ في العملية، ألا وهو المسؤول نفسه، إذ كما يقول مثلنا؛ (مال الماي للماي.. ومال اللبن للبن). ومامن مال مسروق إلا استحال الى جمرة في بطن سارقه، والسارقون قطعا يعلمون “إنما يأكلون في بطونهم نارا”، لكن، ولسوء طالع العراقيين أن تأنيب الضمير، ومحاسبة النفس ليست عاملا فاعلا لدى أغلب ساسة (هذا الوكت)، الأمر الذي سول لهم إطلاق العنان لنفوسهم في تنفيذ السرقات تلو السرقات، غير آبهين بالنار التي ستستقر في بطونهم، وهم لايرعوون من ردع المجتمع لهم، بل هم يتمادون في غيهم بكل أنانية، كما يقول ابو فراس الحمداني: “… إذا متّ ظمآنا فلا نزل القطر”.
وهنا يجب أن يكون لسطوة القانون صوت مدوٍّ، يعلو فوق الأصوات الناشزة المتصيدة في عكر المياه، والتي تنخر في مؤسسات الدولة، وتدعو وسط دهاليزها المدلهمة الى إفشاء الفوضى وإحلال نظام اللادولة واللاحكومة، ليتسنى لها اللعب على حبائل الباطل أنى تشاء، فبالقانون الصارم والحازم وحده يخرج العراق من النفق المرعب الذي ولج فيه منذ أربعة عشر عاما، وبالقوة وحدها يتغير الحال الى مايصبو اليه العراقيون في بلدهم، وبغير القوة والصرامة في تطبيق القانون، لن تكون هناك دولة وفق المعايير الصحيحة اسمها العراق، بل ستكون غابة -كما هي اليوم- يحكمها الرعاع والسراق.
التعليقات
أضف تعليق